يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك

بسم الله الرحمن الرحيم

روى أبو نعيم في الحلية عن محمد بنِ مالك بنِ ضيغم قال لي الشيخ أبو أيوب يوما:

يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي

وايم الله لئن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور

لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة: قال قلت بأبي أنت

وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟

قال: يا أبا أيوب فكيف بالقبول؟ وكيف بالسلامة؟

كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه و قد أصلح قربانه و قد أصلح همته و قد أصلح

عمله يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجه )

صدق والله أن هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضى ولئن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران

هم الدنيا وشقاء الآخرة

نعم ولكن لماذا لا تأتى الآخرة المؤمن بالسرور

نقول وبالله التوفيق أن السبب في هذا هو عدم إخلاص الأعمال الصالحة لله

فان العمل وان كان صلحاً ولم يكن خلصاً لله لم يقبل من صاحبه وإذا كان خلصاً ولم يكن صلحاً لم يقبل من صاحبه فلا بد لقبول أي عمل من شرطان هما

1- الإخلاص ( إخلاص العمل لله )

قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

البينة: 5

و قال لنبيه صلى الله عليه وسلم

{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}

الأنعام 162



( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين )

الزمر : 11



( قل الله أعبد مخلصاُ له ديني )

الزمر : 14



و الآيات في هذا الباب كثيرة

وفي الحديث الصحيح القدسي يقول الله تعالى: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك به وأنا منه بريء



2- الإتباع ( إتباع النبي صلى الله عليه وسلم )



روى مسلم في صحيحه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )


فهو رد : أي غير مقبول من صاحبه

قال الفضيل بن عياض رحمه الله

في تفسير قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزير الغفور )

الملك: 2

هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يًقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً ..

والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم

ثم قرأ قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )



وانظر إلى أول من يقضى عليه يوم القيامة

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة

رجل استشهد ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها ، قال : فما عملت فيها؟

قال : قاتلت فيك حى استشهدت

قال : كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جريءٌ ، فقد قيل


ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار


ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن ، فأتي به فعرفه نعمه ، فعرفها

قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته

وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ،

ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال قارىءٌ فقد قيل



ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار


ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها

قال : فما عملت فيها ؟

قال ما تركت من سبيل يُحبُّ أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك

قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل


ثم أُمر به فسحب على وجهه ، ثم ألقي في النار )



فانظر إلى هولاء الثلاثة مجاهد وعالم وجواد

ثم انظر إلى حالهم وكيف وصل بهم عدم إخلاص العمل لله إلى النار

و إنا لله وإنا إليه راجعون

فأحذر وفقك الله أن تكون مثل هولاء الثلاثة

وعليك بإخلاص الأعمال لله وتجريد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم

واعلم أن العمل الصالح بدون إخلاص لا قيمة له فهو هباء لا يسوى شيء

قال تعالى

{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}

الفرقان 23

هي الأعمال التي لم تكن خالصة لله

او الأعمال التي كانت على غير السنة

فأحذر نفسك على نفسك

وأخلص الأعمال لله وعليك بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى تنجو فإنها إما جنة أو نار

نسأل الله السلامة

وان يرزقنا الإخلاص في القول والعمل في السر والعلن


والله المستعان

بارك الله بك يا اخي